الجمعة، 8 مايو 2009

ماأسعدهم وماأشقاهم ..


أتذكَّر طفولتي جيداً وأذكر أن لدينا مُسَلِّيات عدة لاتعتمد كلها على الالكترونيات كما في وقتنا هذا ، كانت لدينا ألعاباً شعبية تجلب المرح والأنس وتبدد طاقات أجسادنا العالية ، وتكوِّن الجسور الاجتماعية بيننا ، نجتمع كلنا نلعب ونمرح ونشتري من محل التموينات طعاماً ونتحلق جميعاً ونأكل سوياً ، وقليلاً ما نشاهد الأفلام الكرتونية التي كان التلفزيون يعيدها لنا كل يوم ! وعلى قلة مشاهدتها إلا أننا حفظنا توم وجيري وباباي وذلك النمر الوردي وغيره ، إلا إذا كان هناك مسلسلاً كرتونياً إن صح التعبير كالصياد الصغير رامي أو كابتن ماجد فإن الإفلام الأولى تكون مقبلات للوجبة الأساسية ..

أما الآن فتغير الوضع بالنسبة للطفل ، أصبح يقلِّب القنوات التي تعتني به من مرحلة الطفولة المبكرة حتى سن المراهقة ، وصارت تطالعه كل باقة قنوات بقناة متفردة ومتخصصة به وبما يحتاجه ، هنيئاً لك أيها الطفل ، حينما يصيبك الملل والوحدة .. هناك من يسليك ويجلو عن نفسك الضيق والسأم ، من أنشودة إلى فيلم إلى برنامج تفاعلي إلى مسابقة إلى تقرير إلى فاصل ممتع .. هنيئاً بحق !

لكني لا أحسدك كذلك لوجود أدلة على شقائك ، لأن الإحصائيات والدراسات تقول بأن الإعلام يُسَطِّح عقول المشاهدين ومن هؤلاء الأطفال ، لاينمي وعيهم ولاثقافتهم ولا مواهبهم ، وضعف البصر يشكِّل لأكثرهم عدواً متربصاً ، ويقلل ويضعف الطفل اجتماعياً عن ممارسة أي شيء مع الأطفال الآخرين ، مختفية لديهم روح المشاركة في الألعاب والاحتفال والتشارك في الأكل والشرب والدمى ، ويحبون العزلة والجلوس أمام الشاشات ولو لم يكن هنالك مايجذبهم من برامج أو أفلام لإدمانهم على الجلوس والمتابعة وصاروا (الجلوس في البيت كالنساء) عادة لهم .

وكذلك أدمنوا ألعاب البلاي ستيشن ، لو يخيَّر أحدهم أن يذهب لمدينة ألعاب أو يبقى يلعب في البلاي ستيشن قد يختار الثانية !! وحدِّث ولا حرج عن ألعاب البلاي ستيشن التي تعلِّم الطفل كيف يسجد لصنم أو يقرِّب قرباناً له حتى يجتاز المرحلة التي أنجزها ويقول الطفل هي لعبة ؟! مايضيرني أن أفعل ذلك لأتقدَّم في اللعب ومايدري أنه تَعَلَّمَ التنازل عن المبادئ من صغره وهو لايعي ذلك كالذي قَدَّمَ ذبابةً لينجو من القتل ويذهب في طريقه وأُدخِلَ النار بسبب ذبابة .. أما من ناحية العهر والفساد الأخلاقي بكل صوره فهناك ألعاب تعلم الطفل كيف يذهب لملهى ليلي ويمارس فيه كل مايمارسه الرجل حقيقة في الملاهي والبارات الليلية ويخرج يسرق أي سيارة في الخارج تعجبه ويبحث عن أي أحد يمشي في الشارع ليقتله ويسلب ماله ! هكذا سيصبح أطفالنا عندما يكبرون إن سكتنا عن ألعابهم البريئة !! واشتريناها لهم بألا يزعجوننا ونحن نتحدث أو نشاهد أفلاماً أو نريد النوم .. هذا شيء يسير من تلك الألعاب بل إن أبناء هذا الجيل أصبحوا لايستحون ولايعرفون الاستحياء وصار ماء وجوههم مهراق ! والسبب هو تأثير الأفلام والألعاب الكرتونية في أخلاق الأطفال ، إلا أن تلك البرامج جعلتهم يبوحون بما في صدورهم دون خجل وهذا قد يفتقده أطفال الأجيال السابقة .

ونحن الآن نرى مجموعة طيبة من القنوات الفضائية جُلَّها إسلامية وتهتم بالطفل وتخاطبه وتضع أمامه الأجمل في منافسة مع زميلاتها وهذا حسن ، إلا أن الكثير منها تعتمد على الترجمة والدبلجة والأسلمة ويبقى شيء كثير في المحتوى لايستطيع المدبلجون تغييره كالشخصيات في الفيلم الكرتوني الأصلي كطفل يصادق طفلة وتحدُث لهما أحداثاً ومعاشرة .. كل هذا يحذف مشكورين ولكن يبدلون صديق الفتاة بالأخ وصديق الأم بالخال !! وهكذا وهذا مما لاينفع مضموناً ، يشاهده الطفل الذي لم يعد غبياً ويعرف أن الشركة المدبلجة تكذب عليه ! والمشكلة هي اعتمادهم على الأفلام الجاهزة ولايعملون بشكل جاد على إصدار أفلام إسلامية الفكرة والمحتوى من إنتاج قنواتهم ومؤسساتهم الإسلامية والعربية .. وللإنصاف هناك من تنتج أعمالها بنفسها إلا أنها لاتعدو سوى تجارب لكن بعضها تريد أن تعلِّم أطفالنا الرقص !! وتسوِّغ لهم الغناء الديني ! كما يسمونه على طريقة الصوفية وتنشئ الأجيال على نغم وطبل ورقصات إسلامية !! وتريد منهم تحرير الأقصى !!

ونرى مجموعة كذلك من الألعاب الالكترونية الإسلامية الجميلة جداً التي تبعث في نفس الطفل الحماسة والتفاعل على الأقل مع قضاياه ولكنها وللأسف لم تجد الممول لإنتاجها !! وغيرها من البرامج والأفلام والألعاب الهابطة يرصد لها الميزانيات والميزانيات !!

بما أن القنوات تجذب أطفالنا إليها وترتفع شعبيتها عندهم وتغطِّي أحياناً على شعبية الآباء !! إذاً نريد قنوات ترتقي بالطفل في كل الاتجاهات ويجد المتعة فيها كذلك ، تقدم له أدباً طفولياً يجعله يعرف كيف يفكِّر ويخطط ويعمل ، وتأهله للحياة أكثر ، أفضل من وقوفهاعلى مدح عصير التوت في أنشودة !! أو تعلمه كيف يعمل المقالب لأصحابه !! أو تجعل منه راقصاً وراقصة وأسيراً للنغمات !! هذا نداؤنا لأصحاب القنوات ، ونتمنى أن يسمعون ولايصدق في حقهم قول القائل :لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لاحياة لمن تناديوإلا سنغلق التلفاز ونحرمهم منها وأنتم السبب .

وعلى عادة برامج الأطفال ، أنهي مقالي ملوِّحاً بيدي ومبتسماً والكاميرا تبتعد شيئاً فشيئاً وأقول لهم : مع السلاااااااااامة ، دمتم بخييييييير

أ. حمود الباشان
hm555mh@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق