الأربعاء، 20 أغسطس 2008

حدثهم عنها

حدثهم عنها

جالس ذات مساء مع أبي ، نتجاذب أحاديث عن الناس والأقوام والمذاهب والملل والاتجاهات والآراء ، وآل الكلام عن الوهابية ، قال أبي : اسمع هذه القصة التي حدثت معي ، سأروي لك بشرط أن تقصص ماسأحكيه على أقرانك في المدرسة وفي الحارة ..
كنت في إحدى البلاد الإسلاميةِ شعوبُها .. لإنهاء بعض الأعمال التجارية وبينا أنا أمشي في شوارع بل بأزقة ذلك السوق الشعبي القديم ، وسط المدينة العريقة عراقة التأريخ ، إذ بشيوخ جلوس أمام حانوت (دكان) كبيرهم وقد مضغتهم الحياة بمصائبها وأحوالها المتداولة بين عز وذل واستعمار واستقلال ، ورمتهم على تلك الهيئة المتجعدة .
مررت بجانبهم وألقيت تحية المسلمين ، ردوا السلام وكلهم أعين تنظر لقلة رؤيتهم للزي الذي ألبسه ، بادروني بكلمات ترحيب .. تفضل .. أشرب شاي معنا ،نظرتهم وإذ بي أجد بعد بحث سريع في صفحات أعينهم شغفاً لمعرفة شيء ما مجهول في صدورهم ودوا لو سألوا عنه ورووا عطشاً قديماً في فكرهم وثقافتهم البسيطةكالبسيطة التي هم عليها .
أجبت الدعوة وجلست ، أتوا بالشاي وبدأت أرشف وأرمقهم مصغياً لما يقولون .. قالوا كلاماً كثيراً وسألوا عن أحوال إخوانهم المسلمين .. كل هذا الحديث بيتوه مقدمةلذلك السؤال الذي يسأله كثير من الشباب المريدين للحق ويسأله بعض مقدمي البرامج خبثاً وتلبيساً على الناس غير تاركي الوقت الكافي للفهم والإيضاح .
ماالوهابية التي بدأت في الجزيرة العربية وانتشر نورها في العالم ؟!! لأي شخص تنسب ؟!! وماهي أسسها ومبادئها ؟ هل هي حركة دينية أو صحوة من رقدةتهدف لإرجاع الناس إلى دينهم ؟ بعد الاسئلة المتلهفة بدأت تتقافز إلى عقلي معلومات وضعتها في العقل الباطن ، أخذت أفكر في مثال قريب من أذهانهم يختصر عليّ كلاماً كثيراً ، بعد توفيق اللهسبحانه نظرت حولي وإذ بجدار باهت اللون متكسر الجوانب ، قريب من مجلسنا الثقافي الحافل بالود والتآلف والسكينة والسكون والانتظار لما سيقوله هذا الضيف الكريمالمتوشح بالصمت الرهيب الذي لم يدم إلا برهات .. قلت : لو أن جداراً كجدار المسجد الذي ترون ، هو جدار قائم وأساسه ثابت لكنه أتى عليه الزمن بسنينه فبهت لونهوتكسرت جوانبه ونقب فيه وكتب عليه عبارات لاتليق .. ثم أتى شخص استقبح أن يرى جدار المسجد مشوهاً بهذه الصورة ، فنادى أهل السوق : يارجال إن هذا الحائط قد أساءمنظر المسجد فلنعمل على إصلاحه ، سنهتم به وبالمسجد ، لن ننتظر حتى يسقط مسجدنا ، وبدأ بالعمل وساعده على ذلك أهل السوق ، هذا أتى بالتراب وذاك بالماء وآخر بالإسمنت وآخر بالصبغ وآخر بأدوات البناء وعكفوا يصلحون حتى أتموه وزينوه لكن رهط قليل من ساهموا معه في البناء ونالهم من الكلوم والتعب حتى عرف الناس أهمية المسجد الذي هجروه وصاروا يعتنون به كله ويحافظون على صلواتهم وذكرهم ويجاهدون في حياتهم بعدما كانوا غير شاعرين بعظم الصلاة والدين ، هذا الذي نادى أهل السوق بإصلاح الجدار كالشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- لمّا شبّ وقد أخذ بحظ وافر من العلم ، رأى حال المسلمين كحال قريش مكة قبل البعثة وعزم على ان يصلح مااستطاع إلى ذلك سبيلاً حتى بارك الله في دعوته وعلمه واتحد العلم مع السيف في إزاحة الظلام القائم وآتت الشجرة الطيبة أكلها اليانعة حلوة نضرة بإذن ربها ، ولكن بعد جهاد وتضحية وبذل وعطاء من أجل سلامة العقيدة من كل شائبة تشوبها في نفوس أتباعها ، ولاغرابة أن الشر يناهض الحق والحق يناضل عن بروجه الباسقة ، فهذه سنة الله سبحانه في هذه الدنيا ، وهو في هذا كله لم يأت بدين جديد كما يخيل للبعض وإنما هو مجدد كما أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه على رأس كل مئة عام يأتي مجدد يجدد للناس مااختفى وطمس من أمردينهم .
أنهيت حديثي وشكرتهم على الاستماع والحفاوة ثم نهضت مودعاً ، ألحوا عليّ بإقامة حق الضيافة لكني اعتذرت بالشغل الذي أتيت من أجله فلا وقت لدي ..


أ. حمود الباشان

hm555mh@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق